هي مدونه تحكي عن كل شيء من الكوره و الشعر و قصص و غيرها

إبراهيم ناجي ( الطبيب الأديب )

إبراهيم ناجي :

إبراهيم ناجي شاعر مصري ولد في 31 ديسمبر 1898م و توفي في الخامسه و الخمسين من عمره في 1953 م وولد في حي شبرا في القاهرة ، و كان والده مثقفاً مما ساعد علي نجاحه في عالم الشعر و الأدب و كان طيباً و نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العرو و القوافي و قرأ دواوين المتبني و ابن الرومي و أبي نواس و غيرهم من فواحل الشعر العربي ، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي و بيرون و آخرون من رومانسيي الشعر الغربي و تخرج ناجي من مدرسة الطب 1922 م و عين طبيباً بوزارة المواصلات ثم في وزارة الصحه و عين بعد ذلك مراقباً بالقسم الطبي في وزارة الاوقاف وعاش في أول حياته في المنصورة فتأثر بجمال نهر النيل و جمال الطبيعة فغلب علي شعره الاتجاه العاطفي ، و أصيب في شبابه بمرض السكر مما ادي الي وفاته مبكراً في 1953 م .

ذكرى ميلاد إبراهيم ناجى.. شاعر الأطلال | مبتدا

من دواوينه الشعرية و الأدبية :

  1. وراء الغمام 1934 م
  2. ليالي القاهرة 1944 م
  3. في معبد الليل 1948 م
  4. الطائر الجريح 1953 م

من كلامه :

أليلاي ما أبقى الهوى في من رشد

أليلاي ما أبقى الهوى في من رشد

فردي على المشتاق مهجته ردّي

أينسى تلاقينا وأنت حزينة

ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهد

أقول وقد وسدته راحتي كما

توسّد طفل متعب راحة المهد

تعالي إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ

حبيب وركن في الهوى غير منهد

بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي

تهاوت على نحر من العاج مُنقد

ترامت كما شاءت وشاء لها الهوى

تميل على خدٍ وتصدف عن خد

وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ

بياض الأماني من عناقيدها الرّبد

فيا لك عندي من ظلامٍ محبب

تألق فيه الفرق كالزمن الرغد

ألا كلّ حسن في البرية خادم

لسلطانة العينين والجيد والقد

وكل جمال في الوجود حياله

به ذلة الشاكي ومرحمة العبد

وما راع قلبي منك إلا فراشة

من الدمع حامت فوق عرش من الورد

مجنحة صيغت من النور والندى

ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى ورد

بها مثل ما بي يا حبيبي وسيدي

من الشجن القتال والظمأ المُردي

لقد أقفر المحراب من صلواته

فليس به من شاعرٍ ساهر بعدي

وقفنا وقد حان النوى أي موقف

نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي

كأن طيوف الرعب والبين موشك

ومزدحم الآلام والوجد في حشد

ومضطرم الأنفاس والضيق جاثم

ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي

مواكب خُرس في جحيم مؤبد

بغير رجاءٍ في سلام ولا برد

فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها

ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد

تقلصت إلا طيفَ حب محيّر

على درج خابي الجوانب مسودّ

تردّد واستأنى لوعد وموثق

وأدبر مخنوقاً وقد غص بالوعد

وأسلمني لليل كالقبر بارداً

يهب على وجهي به نفس اللحد

وأسلمني للكون كالوحش راقداً

تمزقني أنيابه في الدجى وحدي

كأن على مصر ظلاماً معلقاً

بآخر من خابى المقادير مربد

ركود وإبهام وصمت ووحشة

وقد لفها الغيب المحجب في بُرد

أهذا الربيع الفخم والجنة التي

أكاد بها أستاف رائحة الخلد

تصير إذا جن الظلام ولفها

بجنح من الأحلام والصمت ممتد

مباءة خمارٍ وحانوت بائعٍ

شقيّ الأماني يشتري الرزق بالسهد

وقد وقف المصباح وقفة حارس

رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجد

كأن تقياً غارقاً في عبادة

يصوم الدجى أو يقطع الليل في الزهد

فيا حارس الأخلاق في الحيّ نائمٌ

قضى يومه في حومة البؤس يستجدي

وسادته الأحجار والمضجع الثرى

ويفترش الافريز في الحر والبرد

وسيارة تمضي لأمر محجب

محجبة الأستار خافية القصد

إلى الهدف المجهول تنتهب الدجى

وتومض ومض البرق يملع عن بُعد

متى ينجلي هذا الضنى عن مسالك

مرنقة بالجوع والصبر والكد

ينقب كلب في الحطام وربما

رعى الليل هرّ ساهر وغفا الجندي

أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ

ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفرد

أهاجرتي طال النوى فارحمي الذي

تركت بديد الشمل منتثر العقد

فقدتك فقدان الربيع وطيبه

وعدت إلى الإعياء والسقم والوجد

وليس الذي ضيعتُ فيك بهين

ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقد

بعينيك أستهدي فكيف تركتني

بهذا الظلام المطبق الجهم أستهدي

بوردِكِ أستسقي فكيف تركتني

لهذي الفيافي الصم والكثب الجرد

بحبكِ استشفي فكيف تركتني

ولم يبق غير العظم والروح والجلد

وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي

وهذي المنايا البيض تختال في فودي

وكنت إذا شاكيت خففت محملي

فهان الذي ألقاه في العيش من جهد

وكنت إذا انهار البناء رفعته

فلم تكن الأيام تقوى على هَدِّي

وكنت إذا ناديت لبَّيت صرختي

فوا أسفا كم بيننا اليوم من سدّ

سلامٌ على عينيك ماذا أجنتا

من اللطف والتحنان والعطف والود

إذا كان في لحظيك سيف ومصرع

فمنكِ الذي يحيى ومنك الذي يردي

إذا جردا لم يفتكا عن تعمد

وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمد

هنيئاً لقلبي ما صنعت ومرحبا

وأهلا به إن كان فتكك عن عمد

فإني إذا جن الظلام وعادني

هواك فأبديت الذي لم أكن أبدي

وملتُ برأسي كابياً أو مواسياً

وعندي من الأشجان والشوق ما عندي

أقبل في قلبي مكاناً حللته

وجرحاً أناجيه على القرب والبعد

ويا دار من أهوى عليك تحية

على أكرم الذكرى على أشرف العهد

على الأمسيات الساحرات ومجلس

كريم الهوى عف المآرب والقصد

تنادمنا فيه تباريح معشر

على الدم والأشواك ساروا إلى الخلد

دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا

فقد نقشوا الأسماء في الحجر الصلد

وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا

فإن دموع البؤس من ثمن المجد



























































































































إيه إنعام والمحاسن كثر

إيه إنعامُ والمحاسنُ كُثرُ

ما لمن لم يقم بوصفِكِ عذرُ

خلق الله ذلك الحسنَ لكن

للذي يخلقُ المفاتنَ سرُّ

سرَّه أنَّ كلَّ حسن له الشعرُ

تبيع فالمجدُ حسنٌ وشعرُ

وأنا الشاعرُ الذي قد تصباه

فريدٌ من المباهجِ نَضرُ

أينما وَجَّهَ المشاهدُ عينيه

فسحرٌ يتلوه سحرٌ فسحرُ

فمن الخدِّ للجبينِ إلى العينينِ

للثغرِ من معانيكِ سِفرُ

يقرأ الناظرونَ فيه عجيباً

إِن تولَّى سطر تتابَعَ سطرُ

ما على الحسنِ إن تمرّ حياةٌ

في تجليه أو يضيع عمرُ

رُب حسنٍ من الوداعة يبدو

فيه عطفٌ وفي حناياه بِرُّ

ولقد تحسب الوداعة ضعفاً

ولها دولة ونهي وأمرُ

فَمُرِينَا إِنعام من غيرِ أمرٍ

نحن أسراكِ ما بأسراكِ حرُّ

ومُرِي الدهرَ يُصبح الدهرُ عبداً

واضحكي في فم المنى يفتَرُ

ومري الروضَ يصبح الروضُ في

نانَ وينمو وردٌ ويورقُ زهرُ

ومري الطيرَ يسجع الطيرُ جذلانَ

ويشدُو غصنٌ ويطربُ وَكرُ

ومري القلبَ يخفق القلبُ فرحانَ

وتحنو روحٌ ويطربُ صدرُ

ومري الجمرَ يصبحِ الجمرُ كالماء

وتعنو نارٌ ويخضعُ جمرُ

ومري البحرَ يهدأ البحر أمواجاً

ويعنو موجٌ ويهجعُ بحرُ

إيه إنعام هذه صولة الحسنِ

التي تَحطِمُ القويَّ وتذرو






































إنعام يا روح الندى وأنسه

إنعام يا روحَ الندى وأنسَه

الشِعرُ أنتِ وأنتِ روح الشاعرِ

في أيّ معنًى من معانيكِ التي

تَسبِي النهى إبداع هذا الخاطرِ

في الشعرِ أم في النحرِ أم في مائس

متمايلٍ أم في الجمالِ الساحرِ

لا تعجبي للشعرِ إِنك غنوة

واللحن من صُنع الإِله القادرِ

وأنا كطيرٍ في الروابي صادح

أشجته أفنانُ الربيع الزاهرِ

غنَّى لمعنى في الطبيعةِ ساكنٍ

في جفنِهَا الساجي وآخرَ سافرِ

وكذاكَ أنتِ فكم جمالٍ مختفٍ

في النفسِ موصولٍ بآخرَ ظاهرِ
















يا جزيل الهبات والإنعامِ

يا جزيلَ الهبات والإنعامِ

زدتَ لطفاً باللطفِ من أنعامِ

وجلوتَ الظلام حتى تقَضَّى

ما على الكون مسحةٌ من ظلامِ

وجلوتَ الجمالَ والسحرَ والفجرَ

على ضوءِ ثغرِهَا البسَّامِ

وجلوتَ الزهورَ تَندَى علينا

فكأني أرى الربيعَ أمامي

يا حفيفَ النسيمِ يا رقَّةَ الوردِ

تجلَّى في ناضر الأَكمامِ

أنا إن قلتُ للجمالِ سلاماً

فقليلٌ لذا الجمالِ سلامي

وسلامي على البراءةِ والطهرِ

ومعناهما الرفيعِ السامي

وسلامي على سنَى وسناءٍ

كجمالِ البدورِ عند التمامِ

وسلامي على عذوبَةِ نفسٍ

وصفاءٍ كمسعدِ الأحلامِ

وسلامي على العيونِ اللواتي

هنُّ للفنِّ مصدرُ الإِلهامِ

جلالُ الدهور إِمَّا تقضَّت

وجمالُ السنين والأَعوامِ

خالداتٌ بما يُخَلِّدنَ فينا

من فنونٍ تفردت بالدوامِ

إيه إِنعام والقصائد تَترى

أنتِ سرُّ الإِبداعِ في الأقلامِ

وَضَحَ الوحي مثلما وَضَحَ الحبّ

فما في القلوبِ من إبهامِ






























هب علينا عطر أنسامٍ

هبَّ علينا عطرُ أنسامٍ

من ساحرِ المقلةِ بسَّامِ

ما حلَّ حتى سارَ في ركبِه

معجزُ ألبابٍ وأفهام

فحسنه ملهِم أقلامٍ

وشاعرٍ شادٍ ورسامِ

وكيفَ لا يسمو بأرواحِنَا

لطف كلمحِ الكوكبِ السامي

يلمع لَمعَ البرقِ في رقةٍ

وكلُّ برقٍ وحي إلهامِ

وكلُّ لَحظٍ مرسلٍ للورى

يد المداوي فوقَ آلامِ

وعينها النجلاء إن تَلتفت

فموقع الصهباء في الجامِ

وأينما حلَّت بنا نضَّرَت

ببسمةٍ عابسَ أيَّامِ

لقد تجلَّت قدرةٌ من علٍ

مذ أنعمَ اللهُ بأنَعامِ



















ثغر كما يعشق الفنان بسام

ثغرٌ كما يعشقُ الفنَّانُ بسَّامُ

لكَ النعيمُ أخي موسى وإنعامُ

إِن كان عندكَ إِلهامٌ نتوقُ له

فما لنا مثلُ هذا الحسنِ إِلهامُ

سذاجةٌ وبراءاتٌ مطهرةٌ

كأنها من نواجي الخلدِ أَنسامُ

إن كانَ للناسِ جامٌ يشربونَ بها

فعندكَ الكأسُ والصهباءُ والجامُ

حقيقةٌ من جمالٍ ساحرٍ غَرِدٍ

كأنه من رقيق الظلِّ أحلامُ

حسنٌ قصاراه في وصفٍ وموجزه

بأنه الحسنُ ضَلَّت فيه أفهام

يدٌ على الجرح تأسو ما ألَمَّ به

ومرهم تتلاشى فيه آلامُ

وصورةٌ أعجزت في الوصفِ شاعرَهَا

وتاهَ في وصفها شارد ورَسَّامُ

لا تعجبي للورى إِنعامُ إِن عبدوا

عينيكِ أو إِن هُمُو في وصفها هامُوا

فأنتِ طاهرةٌ والفن أطهرُ ما

يطوفُ حولكِ حاشَا الفنَّ آثام

الحسنُ عندَكِ لحنٌ والبيانُ له

لحن يهدهده والحسن أنغام
























إن تجد يا قلب قلباً قد لها

إن تجد يا قلبُ قلباً قد لَهَا

عن حبيبٍ مات فيه وَلَها

رُبَّ شمسٍ منحتنَا ظلَّهَا

وتخلَّت غفرَ الله لَهَا

ذنبُ من يهواكَ أو ذنبُ السنين

ذلكَ الهجرُ ولا لومَ عليك

أذنَبَت ساعة نجوى وحنين

وسدت راحتَهُ في راحتيك

آهِ لو تعرفُ يوماً ألمي

مستطاراً تأكلُ النارُ ضلوعي

أو شريداً يلفحُ القَفرُ دمي

أو طريداً تشربُ الريحُ دموعي

يا حبيبي غامَتِ اليومَ السماء

وعلى الأُفقِ جهامٌ من بعيد

كلّما أطمعُ في يومِ صفاء

عَصَفَ العاصفُ عندي من جديد

















ذات مساء صفا المساء

ذات مساء صفا المساء

وليسَ في خاطري صفاء

يخيّمُ الليلُ في فؤادي

والبدرُ في قبة السماء

والسُحبُ لما انتشرنَ بيضاً

أثوابُ عرسٍ على الفضاء

يلبسها غيمةً فأخرى

يختارُ منها الذي يشاء

أو يخلُع الغيمَ ثم يبدو

طفلاً مصوغاً من الضياء

ما يبرحُ الكونُ في صباه

مجدَّدَ الحسنِ والرواء

ما يبرح الكونُ غيرَ أني

قد دبَّ في نفسي الفناء

فمن عَياءٍ إِلى كلالٍ

ومن كلالٍ إِلى عياء

كم احتمَلنا وكم صبرنَا

والعيشُ صبرٌ وكبرياء

وكم نسينَا وكم محَونَا

وكم غفرنَا لمن أساء

وما عتبنَا على حبيبٍ

لكن عتبنَا على القضاء
























لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا

لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا

ولا لقلبِكَ عن ليلاكَ أنباءُ

جفا الربيع ليالينَا وغادرها

وأقفرَ الروضُ لا ظلٌّ ولا ماءُ

يا شافيَ الداءِ قد أودى بيَ الداءُ

أما لهذا الظما القتَّالِ إرواءُ

ولا لطائرِ قلبٍ أن يقَرَّ ولا

لموكبٍ فَزِعٍ في الشطِّ إرساءُ

عندي سماءُ شتاءٍ غيرُ ممطرةٍ

سوداءُ في جنَبَاتِ النفسِ جرداء

هوجاءُ آونةً خرساءُ آونةً

وليس تخدعُ ظنّي وَهيَ خرساء

فكم سجا الليلُ إِلا هامسٌ قَلِقٌ

كأنه نَفَسٌ في الليلِ مَشَّاءُ

أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يُخَيَّلُ لي

فلي إِليك بأُذنِ الوهمِ إصغاءُ

لبيكِ لو عندَ روحي ما تطيرُ به

وكيفَ ينهضُ بالمجروحِ إعياءُ

لِمَن قيامي وبعثي هذه صورٌ

لا تصطبي وتماثيلُ وأزياءُ

ومعرضُ أجوف المعنى وأسماءٌ

مذ آذنتنا بهذا البينِ أسماءُ

يا ليلُ كلُّ نهارٍ ميِّتٌ فإذا

ناديت قامَ كما للبعثِ إِحياءُ

وليس يبلى نهارٌ في هواكِ مضى

هيهاتَ ينسيه إصباحٌ وإمساءُ

طابَ اللقاء به لاثنينِ فانفرَدَا

فتىً به سقمٌ بادٍ وحسناءُ

جمالُهَا توبةُ الدنيا وعزتُهَا

كفارةٌ عن ذنوبِ الدهرِ بيضاءُ

وشعرُهَا الفحمُ انسابت جَدَاوِلُه

تكادُ تسطعُ حُسناً وَهي سوداءُ

نامت به خصلٌ واسترسلت خُصَلٌ

لهَا وللعاجِ خلفَ الليلِ إغراءُ

توهجت شمسُ ذاك اليومِ واضطرمت

كأنها شُعَلٌ في الأفقِ حمراءُ

تَفَرّقَ الناسُ حول الشطٍِّ واجتمعوا

لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ

وآخرونَ كسالى في أماكنهم

كأنهم في رمالِ الشطِّ أنضاءُ

تحللوا من قيودِ العيشِ وانطلقوا

لا هُم أُسَارى ولا فيهم أرِقَّاءُ

تَنَزَّلَ الدهرُ يوماً عن مشيئته

وحكمِه فَلَهُم في الدهرِ ما شاءوا

هُمُ الورى قبلَ إِفسادِ الزمانِ لهم

وقبلَ أن تتحدَّى الحبَّ بغضاءُ

لَم يُخلقوا وبهم من نفسهم عِلَلٌ

لكن حضارةُ هذا العالمِ الداءُ

ضاقت نفوسٌ بأحقادٍ ولو سلمت

فإنها كسماءِ البحرِ روحاءُ

ما لي بهم أنتِ لي الدنيا بأجمعهَا

وما وعت ولقلبي منكِ إِغناءُ

لو كان لي أبدٌ ما زادَ عن سنَةٍ

ومدةُ الحلمِ بالجفنينِ إغفاءُ

أرنو إليكِ وبي خوفُ يساورني

وأَنثَني ولطرفي عنكِ إِغضاءُ

إذا نطقتُ فما بالقولِ منتفعُ

وإن سكتُّ فإنَّ الصمتَ إِفشاءُ

أحَبَّكِ القلبُ حباً ما هتكتُ له

سرّا ولا مستطاعٌ فيه إِخفاءُ

وأيما خطرةٌ فالريحُ ناقلةٌ

والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ

يا ليل من عَلَّمَ الأطيارَ قصتَنَا

وكيفَ تدري الصَّبَا أَنَّا أَحباءُ

لمَّا أفقنَا رأينَا الشمسَ مائلةً

إِلى الوداعِ وما للبينِ إِرجاءُ

شابت ذوائبُ وانحلَّت غدائرُهَا

شهباءُ في ساعةِ التوديعِ صفراءُ

مَشَى لها شفقٌ دامٍ فخضَّبَها

كأنه في ذيولِ الشعرِ حِنَّاءُ

يا من تَنَفَّسَ حَرَّ الوجدِ في عُنُقي

كما تَنَفَّسُ في الأقداحِ صهباءُ

ومَن تنفستُ حرَّ الوجدِ في فمه

فما ارتويتُ وهذا الريُّ إِظماءُ

ما أنتَ عن خاطري بالبعد مبتعد

ولن توارِيكَ عن عينيَّ ظلماءُ















































































أليلاى ما أبقى الهوى في من رشد

أليلاىَ ما أبقَى الهوى فيَّ من رُشدِ

فردِّي على المشتاقِ مهجتَه ردِّي

أيُنسَى تلاقينا وأنتِ حزينةٌ

ورأسُك كابٍ من عياءٍ ومن سهدِ

أقول وقد وسدتُه راحتي كما

تَوسَّدَ طفلٌ متعبٌ راحةَ المهدِ

تعالي إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ

حبيبٍ وركنٍ في الهوى غير منهَدّ

بنفسيَ هذا الشّعرُ والخُصَلُ التي

تهاوت على نحر من العاج منقدِّ

ترامت كما شاءت وشاءَ لها الهوى

تميل على خدٍّ وتصدفُ عن خدِّ

وتلك الكرومُ الدانياتُ لقاطفٍ

بياضُ الأماني من عناقيدِهَا الربدِ

فيا لكَ عندي من ظلامٍ محبَّب

تَألَّقَ فيه الفرق كالزمنِ الرغدِ

ألا كلُّ حسنٍ في البريةِ خادمٌ

لسلطانَةِ العينينِ والجيدِ والقدِّ

وكلُّ جمالٍ في الوجودِ حيالَه

به ذلةُ الشاكي ومرحمةُ العبدِ

وما راعَ قلبي منك إلا فراشةٌ

من الدمعِ حامت فوق عرشٍ من الوردِ

مجنحة صيغت من النورِ والندَى

ترف على روضٍ وتغفو إلى وردِ

بها مثل ما بي يا حبيبي وسيّدِي

من الشجنِ القتَّالِ والظمأ المردِي

لقد أقفرَ المحرابُ من صلواته

فليسَ به من شاعرٍ ساهرٍ بعدي

وقفنا وقد حانَ النوى أيَّ موقفٍ

نحاولُ فيه الصبرَ والصبرُ لا يُجدي

كأنَّ طيوفَ الرعبِ والبين موشكٌ

ومزدحم الآلامِ والوجدِ في حَشدِ

ومضطرم الأنفاسِ والضيق جاثمٌ

ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي

مواكب خرس في جحيمٍ مؤبدٍ

بغير رجاءٍ في سلامٍ ولا بَردِ

فيا أيكةً مدَّ الهوى من ظلالها

ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد

تقلصتِ إلا طيفَ حبٍّ محيَّرٍ

على دَرَجٍ خابي الجوانبِ مُسوَدِّ

تَردَّدَ واستأنى لوعدٍ وموثقٍ

وأدبرَ مخنوقاً وقد غُصَّ بالوعدِ

وأسلمني لليلِ كالقبرِ بارداً

يهبُّ على وجهي به نَفَسُ اللحدِ

وأسلمني للكونِ كالوحشِ راقداً

تمزقني أنيابُه في الدجى وحدي

كأنَّ على مصرَ ظلامينِ أَعكَرٌ

بآخرَ من خابي المقاديرِ مربَدِّ

ركودٌ وإبهامٌ وصمتٌ ووحشةٌ

وقد ضمها الغيبُ المحجَّبُ في بُردِ

كأن سماءَ النيلِ لم تَلقَ حادثاً

ولا قصفت فيها القواصفُ بالرعدِ

أحقاً تولَّى ذلك الهولُ وامَّحَت

خواطرُ ذاكَ الويل والرعب والحقدِ

فيا للقلوبِ الصابراتِ وقد غفت

على نعمةِ الإِيمانِ والشكرِ والحمدِ

ويا للقلوبِ المؤمناتِ وأمنها

وضجعتها في رحمةِ الصَّمَدِ الفردِ

أهذا الربيعُ الفخمُ والجنةُ التي

أكاد بها أستافُ رائحةَ الخلدِ

تصيرُ إذا جُنَّ الظلامُ ولفّها

بجنحٍ من الأحلامِ والصمتِ ممتَدِّ

مباءةَ خمارٍ وحانوتَ بائعٍ

شقيّ الأماني يشتري الرزق بالسهدِ

وقد وَقَفَ المصباحُ وقفةَ حارسٍ

رقيبٍ على الأسرار داعٍ إلى الجِدِّ

كأنَّ تقيّا غارقاً في عبادةٍ

يصومُ الدجى أو يقطعُ الليلَ في الزهدِ

فيا حارسَ الأخلاقِ في الحيِّ نائم

قضى يومَه في حومةِ البؤسِ يستجدي

وسادَتُه الأحجارُ والمضجعُ الثرى

ويفترشُ الإِفريزَ في الحرِّ والبردِ

وسيارة تمضي لأمرٍ محجَّبٍ

محجبةَ الأستارِ خافيةَ القصدِ

إلى الهدفِ المجهولِ تنتهبُ الدجى

وتومض وَمضَ البرقِ يلمع عن بعدِ

متى ينجلي هذا الضنَى عن مسالكٍ

مرنقةٍ بالجوع والصبرِ والكَّدِ

ينقِّب كلبٌ في الحطامِ وربما

رَعَى الليلَ هِرٌّ ساهرٌ وغفا الجندي

أيا مصرُ ما فيكِ العشيةَ سامرُ

ولا فيكِ من مصغ لشاعرِك الفردِ

أهاجرتي طالَ النوى فارحمي الذي

تركتِ بديدَ الشملِ منتثر العقدِ

فقدتُكِ فقدانَ الربيعِ وطيبه

وعدتُ إلى الإِعياء والسقمِ والوجدِ

وليسَ الذي ضيَّعتُ فيكِ بهيِّن

ولا أنتِ في الغُيَّاب هينةُ الفقدِ

بعينكِ أستهدي فكيفَ تركتنِي

بهذا الظلامِ المطبق الجهمِ أستهدي

أتيتُكِ أستسقي فكيف تركتِني

لهذي الفيافي الصمِّ والكثب الجردِ

أتيتُكِ أستعدي فكيف تركتِني

إِلى هذه الدنيا وأحداثِها اللدِّ

بحبِّكِ أَستشفي فكيفَ تركتِني

ولم يبقَ غيرُ العظمِ والروحِ والجِلدِ

وهَذي المنايا الحمر ترقصُ في دمي

وهذي المنايا البيض تختالُ في فَودِي

وكنتِ إذا شاكيتُ خففتِ محملي

فهان الذي ألقاه في العيشِ من جهد

وكنتِ إذا انهارَ البناءُ رفعتِهِ

فلم تكنِ الأيامُ تقوىَ على هَدِّي

وكنتِ إذا ناديتُ لَبَّيتِ صرختي

فواحَرَباً كَم بينَنا اليومَ من سدِّ

وقد كانَ لي للعطفِ والحبِّ مسلكٌ

فأغلَقتِه دوني فبتُّ بلا ردِّ

سلامٌ على عينيكِ ماذا أجنَّتا

من اللطفِ والتحنان والعطفِ والودِّ

إذا كانَ في لحظيكِ سيفٌ ومصرعٌ

فمنكِ الذي يُحيي ومنك الذي يُردي

إِذا جُرِّدَا لم يفتكا عَن تعمدٍ

وإن أُغمدَا فالفَتكُ أروع في الغمدِ

هنيئاً لقلبي ما صنعتِ ومرحباً

وأهلاً به إِن كانَ فتكُكِ عن عَمدِ

فإِني إذا جُنَّ الظلامُ وعادني

هواكِ فأبديتُ الذي لم أكن أبدي

وملتُ برأسي كابياً أو مواسياً

وعندي من الأشجانِ والشوقِ ما عندي

أقَبِّلُ في قلبي مكاناً حللتِهِ

وجرحاً أناجيه على القرب والبعدِ

ويا دارَ من أهوىَ عليكِ تحيةٌ

على أكرمِ الذكرى على أشرفِ العهدِ

على الأمسياتِ الساحراتِ ومجلسٍ

كريم الهوى عفِّ المآربِ والقصدِ

تنادِمُنَا فيه تباريحُ شاعرٍ

على الدمِ والأشواكِ يمشي إلى الخلدِ

فبودليرُ محزونٌ وفرلين بائسٌ

وميسيه مجروحُ الهوى عاثرُ الجَدِّ

وللمتنبي غضبةٌ مُضَرِيَّةٌ

وثورةُ مظلومٍ وصيحةُ مستعدي

دموعٌ يذوبُ الصخرُ منها فإِن مضوا

فقد نقشوا الأسماءَ في الحَجَر الصلدِ

وماذا عليهم إِن بكوا أو تعذبوا

فإنَّ دموعَ البؤسِ من ثَمَنِ المجدِ




































































































































































































































































إبراهيم ناجي :

إبراهيم ناجي شاعر مصري ولد في 31 ديسمبر 1898م و توفي في الخامسه و الخمسين من عمره في 1953 م وولد في حي شبرا في القاهرة ، و كان والده مثقفاً مما ساعد علي نجاحه في عالم الشعر و الأدب و كان طيباً و نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العرو و القوافي و قرأ دواوين المتبني و ابن الرومي و أبي نواس و غيرهم من فواحل الشعر العربي ، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي و بيرون و آخرون من رومانسيي الشعر الغربي و تخرج ناجي من مدرسة الطب 1922 م و عين طبيباً بوزارة المواصلات ثم في وزارة الصحه و عين بعد ذلك مراقباً بالقسم الطبي في وزارة الاوقاف وعاش في أول حياته في المنصورة فتأثر بجمال نهر النيل و جمال الطبيعة فغلب علي شعره الاتجاه العاطفي ، و أصيب في شبابه بمرض السكر مما ادي الي وفاته مبكراً في 1953 م .

من دواوينه الشعرية و الأدبية :

  1. وراء الغمام 1934 م
  2. ليالي القاهرة 1944 م
  3. في معبد الليل 1948 م
  4. الطائر الجريح 1953 م

من كلامه :

أليلاي ما أبقى الهوى في من رشد

أليلاي ما أبقى الهوى في من رشد

فردي على المشتاق مهجته ردّي

أينسى تلاقينا وأنت حزينة

ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهد

أقول وقد وسدته راحتي كما

توسّد طفل متعب راحة المهد

تعالي إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ

حبيب وركن في الهوى غير منهد

بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي

تهاوت على نحر من العاج مُنقد

ترامت كما شاءت وشاء لها الهوى

تميل على خدٍ وتصدف عن خد

وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ

بياض الأماني من عناقيدها الرّبد

فيا لك عندي من ظلامٍ محبب

تألق فيه الفرق كالزمن الرغد

ألا كلّ حسن في البرية خادم

لسلطانة العينين والجيد والقد

وكل جمال في الوجود حياله

به ذلة الشاكي ومرحمة العبد

وما راع قلبي منك إلا فراشة

من الدمع حامت فوق عرش من الورد

مجنحة صيغت من النور والندى

ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى ورد

بها مثل ما بي يا حبيبي وسيدي

من الشجن القتال والظمأ المُردي

لقد أقفر المحراب من صلواته

فليس به من شاعرٍ ساهر بعدي

وقفنا وقد حان النوى أي موقف

نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي

كأن طيوف الرعب والبين موشك

ومزدحم الآلام والوجد في حشد

ومضطرم الأنفاس والضيق جاثم

ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي

مواكب خُرس في جحيم مؤبد

بغير رجاءٍ في سلام ولا برد

فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها

ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد

تقلصت إلا طيفَ حب محيّر

على درج خابي الجوانب مسودّ

تردّد واستأنى لوعد وموثق

وأدبر مخنوقاً وقد غص بالوعد

وأسلمني لليل كالقبر بارداً

يهب على وجهي به نفس اللحد

وأسلمني للكون كالوحش راقداً

تمزقني أنيابه في الدجى وحدي

كأن على مصر ظلاماً معلقاً

بآخر من خابى المقادير مربد

ركود وإبهام وصمت ووحشة

وقد لفها الغيب المحجب في بُرد

أهذا الربيع الفخم والجنة التي

أكاد بها أستاف رائحة الخلد

تصير إذا جن الظلام ولفها

بجنح من الأحلام والصمت ممتد

مباءة خمارٍ وحانوت بائعٍ

شقيّ الأماني يشتري الرزق بالسهد

وقد وقف المصباح وقفة حارس

رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجد

كأن تقياً غارقاً في عبادة

يصوم الدجى أو يقطع الليل في الزهد

فيا حارس الأخلاق في الحيّ نائمٌ

قضى يومه في حومة البؤس يستجدي

وسادته الأحجار والمضجع الثرى

ويفترش الافريز في الحر والبرد

وسيارة تمضي لأمر محجب

محجبة الأستار خافية القصد

إلى الهدف المجهول تنتهب الدجى

وتومض ومض البرق يملع عن بُعد

متى ينجلي هذا الضنى عن مسالك

مرنقة بالجوع والصبر والكد

ينقب كلب في الحطام وربما

رعى الليل هرّ ساهر وغفا الجندي

أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ

ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفرد

أهاجرتي طال النوى فارحمي الذي

تركت بديد الشمل منتثر العقد

فقدتك فقدان الربيع وطيبه

وعدت إلى الإعياء والسقم والوجد

وليس الذي ضيعتُ فيك بهين

ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقد

بعينيك أستهدي فكيف تركتني

بهذا الظلام المطبق الجهم أستهدي

بوردِكِ أستسقي فكيف تركتني

لهذي الفيافي الصم والكثب الجرد

بحبكِ استشفي فكيف تركتني

ولم يبق غير العظم والروح والجلد

وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي

وهذي المنايا البيض تختال في فودي

وكنت إذا شاكيت خففت محملي

فهان الذي ألقاه في العيش من جهد

وكنت إذا انهار البناء رفعته

فلم تكن الأيام تقوى على هَدِّي

وكنت إذا ناديت لبَّيت صرختي

فوا أسفا كم بيننا اليوم من سدّ

سلامٌ على عينيك ماذا أجنتا

من اللطف والتحنان والعطف والود

إذا كان في لحظيك سيف ومصرع

فمنكِ الذي يحيى ومنك الذي يردي

إذا جردا لم يفتكا عن تعمد

وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمد

هنيئاً لقلبي ما صنعت ومرحبا

وأهلا به إن كان فتكك عن عمد

فإني إذا جن الظلام وعادني

هواك فأبديت الذي لم أكن أبدي

وملتُ برأسي كابياً أو مواسياً

وعندي من الأشجان والشوق ما عندي

أقبل في قلبي مكاناً حللته

وجرحاً أناجيه على القرب والبعد

ويا دار من أهوى عليك تحية

على أكرم الذكرى على أشرف العهد

على الأمسيات الساحرات ومجلس

كريم الهوى عف المآرب والقصد

تنادمنا فيه تباريح معشر

على الدم والأشواك ساروا إلى الخلد

دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا

فقد نقشوا الأسماء في الحجر الصلد

وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا

فإن دموع البؤس من ثمن المجد



























































































































إيه إنعام والمحاسن كثر

إيه إنعامُ والمحاسنُ كُثرُ

ما لمن لم يقم بوصفِكِ عذرُ

خلق الله ذلك الحسنَ لكن

للذي يخلقُ المفاتنَ سرُّ

سرَّه أنَّ كلَّ حسن له الشعرُ

تبيع فالمجدُ حسنٌ وشعرُ

وأنا الشاعرُ الذي قد تصباه

فريدٌ من المباهجِ نَضرُ

أينما وَجَّهَ المشاهدُ عينيه

فسحرٌ يتلوه سحرٌ فسحرُ

فمن الخدِّ للجبينِ إلى العينينِ

للثغرِ من معانيكِ سِفرُ

يقرأ الناظرونَ فيه عجيباً

إِن تولَّى سطر تتابَعَ سطرُ

ما على الحسنِ إن تمرّ حياةٌ

في تجليه أو يضيع عمرُ

رُب حسنٍ من الوداعة يبدو

فيه عطفٌ وفي حناياه بِرُّ

ولقد تحسب الوداعة ضعفاً

ولها دولة ونهي وأمرُ

فَمُرِينَا إِنعام من غيرِ أمرٍ

نحن أسراكِ ما بأسراكِ حرُّ

ومُرِي الدهرَ يُصبح الدهرُ عبداً

واضحكي في فم المنى يفتَرُ

ومري الروضَ يصبح الروضُ في

نانَ وينمو وردٌ ويورقُ زهرُ

ومري الطيرَ يسجع الطيرُ جذلانَ

ويشدُو غصنٌ ويطربُ وَكرُ

ومري القلبَ يخفق القلبُ فرحانَ

وتحنو روحٌ ويطربُ صدرُ

ومري الجمرَ يصبحِ الجمرُ كالماء

وتعنو نارٌ ويخضعُ جمرُ

ومري البحرَ يهدأ البحر أمواجاً

ويعنو موجٌ ويهجعُ بحرُ

إيه إنعام هذه صولة الحسنِ

التي تَحطِمُ القويَّ وتذرو






































إنعام يا روح الندى وأنسه

إنعام يا روحَ الندى وأنسَه

الشِعرُ أنتِ وأنتِ روح الشاعرِ

في أيّ معنًى من معانيكِ التي

تَسبِي النهى إبداع هذا الخاطرِ

في الشعرِ أم في النحرِ أم في مائس

متمايلٍ أم في الجمالِ الساحرِ

لا تعجبي للشعرِ إِنك غنوة

واللحن من صُنع الإِله القادرِ

وأنا كطيرٍ في الروابي صادح

أشجته أفنانُ الربيع الزاهرِ

غنَّى لمعنى في الطبيعةِ ساكنٍ

في جفنِهَا الساجي وآخرَ سافرِ

وكذاكَ أنتِ فكم جمالٍ مختفٍ

في النفسِ موصولٍ بآخرَ ظاهرِ
















يا جزيل الهبات والإنعامِ

يا جزيلَ الهبات والإنعامِ

زدتَ لطفاً باللطفِ من أنعامِ

وجلوتَ الظلام حتى تقَضَّى

ما على الكون مسحةٌ من ظلامِ

وجلوتَ الجمالَ والسحرَ والفجرَ

على ضوءِ ثغرِهَا البسَّامِ

وجلوتَ الزهورَ تَندَى علينا

فكأني أرى الربيعَ أمامي

يا حفيفَ النسيمِ يا رقَّةَ الوردِ

تجلَّى في ناضر الأَكمامِ

أنا إن قلتُ للجمالِ سلاماً

فقليلٌ لذا الجمالِ سلامي

وسلامي على البراءةِ والطهرِ

ومعناهما الرفيعِ السامي

وسلامي على سنَى وسناءٍ

كجمالِ البدورِ عند التمامِ

وسلامي على عذوبَةِ نفسٍ

وصفاءٍ كمسعدِ الأحلامِ

وسلامي على العيونِ اللواتي

هنُّ للفنِّ مصدرُ الإِلهامِ

جلالُ الدهور إِمَّا تقضَّت

وجمالُ السنين والأَعوامِ

خالداتٌ بما يُخَلِّدنَ فينا

من فنونٍ تفردت بالدوامِ

إيه إِنعام والقصائد تَترى

أنتِ سرُّ الإِبداعِ في الأقلامِ

وَضَحَ الوحي مثلما وَضَحَ الحبّ

فما في القلوبِ من إبهامِ






























هب علينا عطر أنسامٍ

هبَّ علينا عطرُ أنسامٍ

من ساحرِ المقلةِ بسَّامِ

ما حلَّ حتى سارَ في ركبِه

معجزُ ألبابٍ وأفهام

فحسنه ملهِم أقلامٍ

وشاعرٍ شادٍ ورسامِ

وكيفَ لا يسمو بأرواحِنَا

لطف كلمحِ الكوكبِ السامي

يلمع لَمعَ البرقِ في رقةٍ

وكلُّ برقٍ وحي إلهامِ

وكلُّ لَحظٍ مرسلٍ للورى

يد المداوي فوقَ آلامِ

وعينها النجلاء إن تَلتفت

فموقع الصهباء في الجامِ

وأينما حلَّت بنا نضَّرَت

ببسمةٍ عابسَ أيَّامِ

لقد تجلَّت قدرةٌ من علٍ

مذ أنعمَ اللهُ بأنَعامِ



















ثغر كما يعشق الفنان بسام

ثغرٌ كما يعشقُ الفنَّانُ بسَّامُ

لكَ النعيمُ أخي موسى وإنعامُ

إِن كان عندكَ إِلهامٌ نتوقُ له

فما لنا مثلُ هذا الحسنِ إِلهامُ

سذاجةٌ وبراءاتٌ مطهرةٌ

كأنها من نواجي الخلدِ أَنسامُ

إن كانَ للناسِ جامٌ يشربونَ بها

فعندكَ الكأسُ والصهباءُ والجامُ

حقيقةٌ من جمالٍ ساحرٍ غَرِدٍ

كأنه من رقيق الظلِّ أحلامُ

حسنٌ قصاراه في وصفٍ وموجزه

بأنه الحسنُ ضَلَّت فيه أفهام

يدٌ على الجرح تأسو ما ألَمَّ به

ومرهم تتلاشى فيه آلامُ

وصورةٌ أعجزت في الوصفِ شاعرَهَا

وتاهَ في وصفها شارد ورَسَّامُ

لا تعجبي للورى إِنعامُ إِن عبدوا

عينيكِ أو إِن هُمُو في وصفها هامُوا

فأنتِ طاهرةٌ والفن أطهرُ ما

يطوفُ حولكِ حاشَا الفنَّ آثام

الحسنُ عندَكِ لحنٌ والبيانُ له

لحن يهدهده والحسن أنغام
























إن تجد يا قلب قلباً قد لها

إن تجد يا قلبُ قلباً قد لَهَا

عن حبيبٍ مات فيه وَلَها

رُبَّ شمسٍ منحتنَا ظلَّهَا

وتخلَّت غفرَ الله لَهَا

ذنبُ من يهواكَ أو ذنبُ السنين

ذلكَ الهجرُ ولا لومَ عليك

أذنَبَت ساعة نجوى وحنين

وسدت راحتَهُ في راحتيك

آهِ لو تعرفُ يوماً ألمي

مستطاراً تأكلُ النارُ ضلوعي

أو شريداً يلفحُ القَفرُ دمي

أو طريداً تشربُ الريحُ دموعي

يا حبيبي غامَتِ اليومَ السماء

وعلى الأُفقِ جهامٌ من بعيد

كلّما أطمعُ في يومِ صفاء

عَصَفَ العاصفُ عندي من جديد

















ذات مساء صفا المساء

ذات مساء صفا المساء

وليسَ في خاطري صفاء

يخيّمُ الليلُ في فؤادي

والبدرُ في قبة السماء

والسُحبُ لما انتشرنَ بيضاً

أثوابُ عرسٍ على الفضاء

يلبسها غيمةً فأخرى

يختارُ منها الذي يشاء

أو يخلُع الغيمَ ثم يبدو

طفلاً مصوغاً من الضياء

ما يبرحُ الكونُ في صباه

مجدَّدَ الحسنِ والرواء

ما يبرح الكونُ غيرَ أني

قد دبَّ في نفسي الفناء

فمن عَياءٍ إِلى كلالٍ

ومن كلالٍ إِلى عياء

كم احتمَلنا وكم صبرنَا

والعيشُ صبرٌ وكبرياء

وكم نسينَا وكم محَونَا

وكم غفرنَا لمن أساء

وما عتبنَا على حبيبٍ

لكن عتبنَا على القضاء
























لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا

لا القوم راحوا بأخبارٍ ولا جاؤوا

ولا لقلبِكَ عن ليلاكَ أنباءُ

جفا الربيع ليالينَا وغادرها

وأقفرَ الروضُ لا ظلٌّ ولا ماءُ

يا شافيَ الداءِ قد أودى بيَ الداءُ

أما لهذا الظما القتَّالِ إرواءُ

ولا لطائرِ قلبٍ أن يقَرَّ ولا

لموكبٍ فَزِعٍ في الشطِّ إرساءُ

عندي سماءُ شتاءٍ غيرُ ممطرةٍ

سوداءُ في جنَبَاتِ النفسِ جرداء

هوجاءُ آونةً خرساءُ آونةً

وليس تخدعُ ظنّي وَهيَ خرساء

فكم سجا الليلُ إِلا هامسٌ قَلِقٌ

كأنه نَفَسٌ في الليلِ مَشَّاءُ

أأنتِ ناديتِ أم صوتٌ يُخَيَّلُ لي

فلي إِليك بأُذنِ الوهمِ إصغاءُ

لبيكِ لو عندَ روحي ما تطيرُ به

وكيفَ ينهضُ بالمجروحِ إعياءُ

لِمَن قيامي وبعثي هذه صورٌ

لا تصطبي وتماثيلُ وأزياءُ

ومعرضُ أجوف المعنى وأسماءٌ

مذ آذنتنا بهذا البينِ أسماءُ

يا ليلُ كلُّ نهارٍ ميِّتٌ فإذا

ناديت قامَ كما للبعثِ إِحياءُ

وليس يبلى نهارٌ في هواكِ مضى

هيهاتَ ينسيه إصباحٌ وإمساءُ

طابَ اللقاء به لاثنينِ فانفرَدَا

فتىً به سقمٌ بادٍ وحسناءُ

جمالُهَا توبةُ الدنيا وعزتُهَا

كفارةٌ عن ذنوبِ الدهرِ بيضاءُ

وشعرُهَا الفحمُ انسابت جَدَاوِلُه

تكادُ تسطعُ حُسناً وَهي سوداءُ

نامت به خصلٌ واسترسلت خُصَلٌ

لهَا وللعاجِ خلفَ الليلِ إغراءُ

توهجت شمسُ ذاك اليومِ واضطرمت

كأنها شُعَلٌ في الأفقِ حمراءُ

تَفَرّقَ الناسُ حول الشطٍِّ واجتمعوا

لهم به صخبٌ عالٍ وضوضاءُ

وآخرونَ كسالى في أماكنهم

كأنهم في رمالِ الشطِّ أنضاءُ

تحللوا من قيودِ العيشِ وانطلقوا

لا هُم أُسَارى ولا فيهم أرِقَّاءُ

تَنَزَّلَ الدهرُ يوماً عن مشيئته

وحكمِه فَلَهُم في الدهرِ ما شاءوا

هُمُ الورى قبلَ إِفسادِ الزمانِ لهم

وقبلَ أن تتحدَّى الحبَّ بغضاءُ

لَم يُخلقوا وبهم من نفسهم عِلَلٌ

لكن حضارةُ هذا العالمِ الداءُ

ضاقت نفوسٌ بأحقادٍ ولو سلمت

فإنها كسماءِ البحرِ روحاءُ

ما لي بهم أنتِ لي الدنيا بأجمعهَا

وما وعت ولقلبي منكِ إِغناءُ

لو كان لي أبدٌ ما زادَ عن سنَةٍ

ومدةُ الحلمِ بالجفنينِ إغفاءُ

أرنو إليكِ وبي خوفُ يساورني

وأَنثَني ولطرفي عنكِ إِغضاءُ

إذا نطقتُ فما بالقولِ منتفعُ

وإن سكتُّ فإنَّ الصمتَ إِفشاءُ

أحَبَّكِ القلبُ حباً ما هتكتُ له

سرّا ولا مستطاعٌ فيه إِخفاءُ

وأيما خطرةٌ فالريحُ ناقلةٌ

والشطُّ حاكٍ لها والأفقُ أصداءُ

يا ليل من عَلَّمَ الأطيارَ قصتَنَا

وكيفَ تدري الصَّبَا أَنَّا أَحباءُ

لمَّا أفقنَا رأينَا الشمسَ مائلةً

إِلى الوداعِ وما للبينِ إِرجاءُ

شابت ذوائبُ وانحلَّت غدائرُهَا

شهباءُ في ساعةِ التوديعِ صفراءُ

مَشَى لها شفقٌ دامٍ فخضَّبَها

كأنه في ذيولِ الشعرِ حِنَّاءُ

يا من تَنَفَّسَ حَرَّ الوجدِ في عُنُقي

كما تَنَفَّسُ في الأقداحِ صهباءُ

ومَن تنفستُ حرَّ الوجدِ في فمه

فما ارتويتُ وهذا الريُّ إِظماءُ

ما أنتَ عن خاطري بالبعد مبتعد

ولن توارِيكَ عن عينيَّ ظلماءُ















































































وماذا عليهم إِن بكوا أو تعذبوا

فإنَّ دموعَ البؤسِ من ثَمَنِ المجدِ




ابراهيم ناجي: "يا مرحباً بالورد في إبَّانِه" ..
يا مرحباً بالورد في إبانه

يا مرحباً بالورد في إبَّانِه

وبموكبِ الآمالِ في بستانِه

يا محسناً للعينِ في إقباله

ما تنتهي العينانِ من إحسانِه

قل لي أهذا الطَلُّ دمعٌ حائرٌ

يروي الربيعَ النَضرَ من أشجانِه

عجباً له والحسنُ ملء عيونِه

يبكي عليكَ وأنتَ في أحضانِه

إنّي رأيتُكَ بعدما وَلَّى الصِبَا

فبكى الشبابُ على ربيعِ زمانِه

ورأيتُ عرسَك في مجالي أُنسِه

والطيرُ صدَّاحٌ على أفنانِه

فَتلفتت روحي تُرَجّى قطرةً

من كأسِه أو وقفةً في جانِه






























*****

المراجع :

كتب إبراهيم من صفحة الديوان/www.aldiwan.net/cat-poet-hafez-ibrahim/





 
banner

ليصلك كل جديد عنا ولنكون علي اتصال